حين قمت بزيارة جيبوتي في شهر مايو ٢٠١٤ بتكليف ورعاية من قبل جمعية الرحمة العالمية، لم يكن لدي خطة واضحة لما سأصوره، بل كانت أشبه برحلة استطلاعية للتعرف على الواقع لتطوير مشاريع تصوير فوتوغرافية أكثر واقعية تخدم الخط التنموي الذي تقوم به الرحمة العالمية.
هذا يعتبر كالحلم بالنسبة لأي مصور أن يصور ما يشاء، أما بالنسبة لي كان أشبه بالتعذيب الفكري، فقد كنت قبل السفر وأثناء التصوير هناك وبعد العودة في سعي ذهني دائم لتطوير مجموعة أفكار أولية تستفيد منها الجهة الراعية في عملها الإنساني هناك وفي أفريقيا عموما. إنه نوع من التعذيب الممتع، حيث يحتاج لتطوير تلك الأفكار جمع قدر كبير من المعلومات والأعمال التي تمت في هذا الميدان، مع استدعاء لكم كبير من الخبرات السابقة للخروج بأفكار عملية قابلة للتنفيذ.
ماسبق ذكره وما تم الوصول إليه من أفكار ومشاريع فوتوغرافية لن أعرضها هنا- ليس الآن على الأقل- بل سأعرض مجموعة من ملاحظاتي ومذكراتي كمصور فوتوغرافي وثائقي، هي أولا من باب التوثيق لمسيرتي الفنية التي للتو بدأتها، وهي أيضاً من باب الإفادة والاستفادة.
١) في البداية هي صور ملونة.. هكذا أردتها، أن تكون صورا واقعية تنقل الواقع كما هو، بألوانه وروحه. بالنسبة لي حين أعرض صورة وثائقية أحاول أن أكون متجردا من مشاعري ومن خيالي الفني، لا أعبّر ولكن أنقل، أريد أن يرى المتلقي (القارئ للصورة) الواقع الذي أنا رأيته بعيني، لعله يتلمس من خلال صوري طبيعة الحياة عندهم، وبالتالي حين يحتاج لتصرف ما يكون أقدر على فهم ذلك الواقع.
٢) أصور اللحظة كما هي.. فمسئوليتي صارمة كمصور وثائقي، أن أصور الواقع بشخوصه ومكوناته كما هو وعلى هيئتهم اليومية، لا أتدخل ولا أعدل ولا أوجه. نعم أنا أصور أمامهم وأستأذن منهم للتصوير، لكن لا أتدخل، وفي غالب الصور أدعهم حتى ينغمسوا في ممارسة حياتهم أو أفعالهم اليومية المعتادة ثم ألتقط الصورة لتكون أصدق في التعبير عن واقعهم وحياتهم.
٣) لا أصور الأسى، ولكن أصور الحياة.. وهذا أمر نسبي، فما قد نراه نحن أسى وحياة بائسة قد يرونه هم حياة طبيعية كونهم لم يرو غيره، لذلك مهمتي أن أصور هذا الواقع وفق غاية محددة من هذا التصوير. وهذا هو أحد الفروق الرئيسية بين التصوير الوثائقي وبين غيره من التصوير، ففي التصوير الوثائقي غالبا يكون لدى المصور أجندة أو موضوعا محددا مطلوب أن يعكسه من خلال الصور. فهنا أنا أريد أن يرى المتلقي (خاصة في دول الخليج العربي) وهو الشريحة المستهدفة من هذا التصوير، أن يرو ذلك الواقع المختلف تماماً عن واقع الحياة عندهم، وما قد يكون من المسلمات والمعتقد عندنا قد يكون ضربا من الخيال عندهم، كالكهرباء مثلا، أو غرفة خاصة لكل طفل بالأسرة، أو توفر الماء.. وهذا يكون من خلال نقل واقعهم أو لنقل جانبا منه من خلال صورا وثائقية واقعية بلا توجيه أو تعديل. مهمتي أن أختار الموضوع والشخصيات والزاوية ومحتويات الصورة، لكن ما يقع داخل إطار الصورة لا أمارس أي توجيه تجاهه. طبعا هذا باستثناء البورتريهات والتي كنت أعطي توجيهات محدودة لا تؤثر على واقعية وعفوية المشهد.
٤) الانطباع الأول من خلال عدسة ٥٠ ملم.. ما ترونه في الصور هو من خلال زيارتي الأولى وانطباعاتي الأولية عنهم، ولذا ما ترونه في الصور هو ما رأيته بعيني هناك، وما تشعرون به من مشاعر هو بالضبط ما كنت أشعر به وأنا ألتقط الصور.. وهذا هو سبب اختياري لتلك العدسة الرائعة ٥٠ ملم ساميلاكس، ففضلا عن كونها عدسة ذات صناعة يدوية فائقة تخلق صورا ذات جودة لاتضاهى، فهي تجعلني اقترب أكثر من موضوعاتي، وتجعل محتويات الإطار أكثر تركيزا وتأثيرا.
٥) صورا متنوعة لخلق حالة من الفهم والإدراك العام.. فهناك صور بورتريه، وصور حياة صامتة، وصور لاندسكيب.. وغيرها من أنواع التصوير في مزيج مستهدف، وكل ذلك لخلق غاية واحدة وهي أن أوصل للمتلقي (قارئ الصورة) الإحساس المادي بطبيعة الحياة هناك. وأنا اخترت أن أعرض هنا بعضا من الصور، فليس كل الصور يصلح عرضها هنا، ولربما أعرض بقية الصور في وسيلة أو بطرق أخرى مستقبلا تخدم أغراضي الوثائقية من هذا المشروع التصويري.
٦) التصوير تم بلا أجندة واضحة أو قائمة صور مستهدفة Shooting List .. كما قلت، فهذه كانت زيارتي الأولى وكان القصد منها أن أطلع على الواقع وأعاين طبيعة الحياة هناك، ومع كون هذا التصوير تم للجنة الرحمة العالمية، إلا أنهم لم تكن لديهم توجيهات محددة لي لما يمكن أن أصوره. فالهدف الأساسي كان أن نرى طبيعة الوضع هناك، ومن ثم أطور معهم مشاريع تصويرية تخدم أغراضهم الإنسانية والتنموية. وأنا أفرز الصور وأشاهدها أرى بوضوح أنه فاتني العديد من الصور لم ألتقطها والمواضيع التي لم أخدمها بشكل جيد، فضلا عن صور أراها بعقلي ولكنها ليست موجودة في مجموع الصور التي التقطتها. الخطة كانت أن نقوم بزيارات أخرى لذلك المكان مصحوبا بقائمة الصور المستهدفة.. وهذا ربما يشفع لي عندكم.
٧) بلا ترتيب.. وضعت الصور هنا وفي إنستاغرام بلا ترتيب متبعا النهج القائم على أن تكون الصور بمجموعها معبرة عن واقع معين وراسمة لصورة كلية عنه. فهي ليست قصة ولكنها رفع لمرآة عن واقع القرى الفقيرة في جيبوتي.
أترككم مع بقية الصور.